الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

سلفادور دالي - لوحة "رمز عيد ميلاد أمريكي" - 1934

Allegory of an American Christmas, 1934

    Allegory of an American Christmas was painted while Dalí and Gala were on the first of what was to become many visits to the US. The country had long intrigued Dalí and on this first trip he was greatly impressed with it, especially with the media, who afforded him the attention that he needed and craved. Dalí loved the idea of a "new country" and the opportunities he saw there; these feelings are reflected in the painting.
    Dalí used the image of an egg-shaped stone often during the Thirties. As a form that represents a human head, it can be seen in Illumined Pleasures. In the Allegory of an American Christmas, as with the later painting The Metamorphosis of Narcissus, the egg produces the idea of a hatching, or a birth of something new; of a change taking place. Here, the huge stone egg fills the painting, hovering ominously over the flat, blue land. The dark clouds on the horizon heighten the atmosphere of expectancy. A distorted golden plane is breaking free from a hole in the egg. The black hole forms the shape of northern US, with South America painted in golden colors beneath it.

تعقيب:

لوحة "رمز عيد ميلاد أمريكي" ، 1934

    رسمت هذه اللوحة عندما زار دالي وغالا (زوجة دالي الشهوانية!) الولايات المتحدة للمرة الأولى، حيث لاقت البلاد إعجابه ُ لما لقيه ُ من الحفاوة وحسن الضيافة، خصوصا ً من الجانب الإعلامي الذي أولاه الاهتمام الشافي لغروره وتوقه. يرى التحليل أعلاه أن دالي أحب فكرة وجود "دولة جديدة" ، وما تخلقه ُ من الفرص، واللوحة انعكاس لذلك الشعور.

أشار المحلل لاستخدام دالي الشائع رسم حجر بيضاوي الهيئة خلال ثلاثينيات القرن العشرين، كأنموذج لتمثيل رأس الإنسان. رسم البيضة يوحي للناظر فكرة الولادة والتغيير المستدل عليها من عملية "التفقيس"، حجمها العملاق يشير لعظمة وضخامة التغيرات المتوقعة. الشرخ المحدث في رسم البيضة يتخذ شكل قارة أمريكا الشمالية، ونرى أسفلها قارة أمريكا الجنوبية وهي تلتصق بها بلون ذهبي مشرق. الغيمة السوداء في الأفق تعمل على الرفع من سقف التوقعات الناتجة عن الولادة، كما يشير التحليل أعلاه، كأنما هي نبوءة تبشر أن هذا البلد الجديد سوف يلمس بأنامل التغيير الآفاق البعيدة! البيضة الحجرية العملاقة تطفو على أرض زرقاء، توحي للناظر بأنها تتدحرج في البحر، كما أن المحلل يرى أن ذيل طائرة يفقس من البيضة. لكأن وجهة البيضة المتدحرجة والطائرة هي الأفق البعيد حيث العالم القديم أو قارات العالم الأخرى. أي أن دالي يبشر بأن هذا العالم الجديد سوف يغير ويلد حقبة جديدة في التاريخ البشري. من جهة أخرى، ظل البيضة يوحي بأن الشمس أيضا ً تتموقع في الأفق البعيد لحيث تتدحرج البيضة الحجرية العملاقة.

جدير بالتساؤل اختيار دالي إلى اللون الأسود في رسم الغيمة وهل هو مجرد إيحاء بسيط لكون الأمطار وليدة ً للغيوم السوداء؟ أي أنها تصوير مباشر يخبر بأن القارة الجديدة سوف تهطل على العالم كما المطر بغوث ٍ من "التغيرات" التي سترسم بريشتها غد الإنسانية! فمن منظور معاكس، الغيمة السوداء تبدو كمارد ينطلق من العالم الجديد ليغزو العالم القديم حيث تتموقع الشمس. لكأن هذه الولادة سوف تسدل على العالم القديم بأستار من ظلام!

الأحد، 28 نوفمبر 2010

تحذير

أزهار الخزامى

شموس تطفو فوق الماء

عطش لمائية الضياء

هجرة الربيع

سوناتا

لعنة ثمود


هامش:

ورد في وصف عذاب ثمود أن وجوههم أصبحت في اليوم الأول مصفرة وفي اليوم الثاني محمرّة وفي اليوم الثالث مسودّة لتأتيهم صيحة من السماء فيها صوت كالصاعقة فتقطّعت قلوبهم في صدورهم {فأصبحوا في ديارهم جاثمين}.

آيات عطرة من سورة هود: وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٦٧)



أمنية قبل الخلود إلى النوم


أيها القدر... يا مقصلة الأحلام
...كل ما أريده ُ في عالم الأوهام
قبلة ٌ منها...
مسكونة ٌ بالموت الزؤام
تطبعها على شفاهي...
قبل أن أنام.
كعطر شفيف...
كنعاس الفصول في الخريف
قبلة ٌ كهبة النسيم...

هي موجز الآلام
تهمي غيوما ً من توت سام
ترتوي منها الروح ُ خمر الحمام
سكرات ٍ في هواها...
سكرات ٍ في الممات...
قبل أن يغرقني موج الحزن الظمآن
الغائر ِ في صمت الكتمان
كل ما أريده ُ في وحشة الأزمان
قبلة ٌ منها...
مسكونة ٌ بالمنية
هي الكافور والأكفان
تطبعها على شفاهي... رقراقة ً كالكمان
قبل أن تسقط أجفاني في الظلام
قبل أن تهمي الكواكب وتنطفئ النجمات
وأمضي في تابوت غربتي
وأمشي وحيدا ً في صقيع المنام

- تمت –

أيها الراحل... عيد فطر سعيد

"أبتاه النائم بين أحضان الضريح...
...أبتاه المتوسد لأخشاب اللحد،
يا نجمة السعد،
من أعماق هيكلي الجريح
أتمنى لك عيد فطر سعيد..."

الآن أمام قبرك في صباح العيد
أقرأ فاتحة الكتاب
أصافح أشباح الماضي
وأتلو عليها آيات العتاب
وأغزل وردة سوداء من قرطاس القصيد
وأغرسها على ثراكَ
- وما بين الأعواد الجافة للرياحين -
لعلها تقرئك السلام
وتشكو إليك َ عذابات الحنين
سأسكب دلوا ً من لؤلؤ الدمع
وأمشي بعيدا ً عن مرقدك الأخير...
أجتر خطى البؤس وحيدا ً بقلب ٍ فقيد!

لتحلَّ عليك رحمة الله
أيها الراحلُ عن ضجيج العالمين
كلُّ الأعياد تنادي باسمك يا حبق العيد
تبكي أطيافك َ مثل جرح ٍ ثخين؛
كنوح ِ قيثارة لا يهدأ ولا يستكين
في القرارة مني وفي براكين الصميم،
فعلام تمتهن الغياب خلف حجاب السديم
أوَّما هنالك من رجعة ٍ
تجمع الأحياء بأشباح الرميم؟!

أيها الغائب عن نايات أحلامك
شيد لنا سلالم الموسيقى
من مياه نهر حنانك الرحيم
لعلنا نعرج بعد ضنك ٍ
لسماء ٍ من السلام الرخيم
كم تكسرت أخشابنا
دون عزف ألحانك الحكيمة
وكم أضعنا سبل الرشاد
في معارك الأهواء الذميمة
نخطو بلا نصح ٍ ولا شورى
مقامرين بالطريق القويم!

أيها الضوء المطفأ
كل فوانيس الحيِّ القديمة
تندلق ُ أباريق نور ٍ شاحب المراثي
عليلة ٌ بأشواق ٍ تستغيث للقيا لياليك
كل الطرقات المطبوعة بخطاك الكريمة
تنوء من لوعة غيابك في التراب
مما اتخذت من مرقد ٍ في عالم الموتى
بعيدا ً عن ظلال الأحباب!

أيها البعيد...
بلا أجنحة ترسم برفرفتها إيابك
ولا ضحكة تزين بمجيئك هذا العيد
أيها النائي ككوكب بعيد... كزنبقة تطفو فوق جثمان الضمير
تعوم على صفحة بحيرات ناعسة الخرير
من رعاف الأمسيات القانية
يترقرق بدموع الأسى الدامية... قلبي الحزين
كلما أضاءت نجمة تشبه ُ ذكريات السنين
وأوقدت رماد يوم من الماضي البعيد
حين أشرقت غابة ٌ من المسامير
في كعب قدمي – أنا الطفل الصغير -
وسقطت بأحضانك مثلما يسقط جندي جريح
وحملتني يا أبتاه ُ للمشفى
على بساط ٍ من الريح
الآن من بعدك يا أبي
تتربص الأشباح بي
خلف أغصان الحفيف
الآن من بعدك يا أبي
لا شيء يوقف مني النزيف
تنساب أنهار دمي عبثا ً في مصبات الحياة
وأضيع في متاهة نفسي بلا بوصلة للنجاة
وأمضي كدمية الأراجوز على مسرح الذكريات
وليمة ً مسمومة تنهشها أنياب الخريف!

- تمت في الأول من شوال، 1431 هـ -

السبت، 27 نوفمبر 2010

المتعب يضطجع تحت شجر النسيان

تعبت تلافيف دماغي من شجر النسيان
ينمو كالورم السرطاني في حدائق التيهان
كخريف ٍ من أشباح الأغصان
تمتد أياديها العجفاء
بعماء البدء ِ وأستار الظلماء
لتحجب رؤياي وتغمسني
في جهل الطفل المطمور بأغواري
- كانت شكوة جسدي له الأكفان!
ودفنته ُ كالموتى في جوف الظلام
كيما أحيا بين وحوش الأنام!–
… تمتد أياديها العجفاء
أغشية ً تشرنق عقلي ضلالة ً ونكران
لتحتسي شرائط أفلامي كمصاص دماء
تفرغني من عرفانية نفسي
حتى غدا الخواء ُ أيان ارتحلت
وفي كلِّ مكان…
لأعود كما كنت ُ بلا رشد يهديني لرب الأكوان
وبلا علم ٍ يسعفني في هرولة الإنسان
لا ألمح في سحر الفجر بيان
وتضيع ظلال الأمر من وقع خطواتي
لن يعثر القرصان مني على كنز الأمان!
ليس في تيه النسيان
سبيل مطوق ٌ بزهر الريحان
يحمل الرحال العليل
إلى زورق السكينة
حيث الراحة والاطمئنان!
ذاكرتي مقبرة ٌ مسكونة ٌ بالشيطان
وضميري بوصلة ٌ في بحر الغيِّ
لا تبصر رمل الشطآن
إني لا أذكر أمسي وتنساني الأسماء
لكأني بلا ماض ٍ في عمر الأزمان
لكأني شجر ينمو سرابا ً
في قلب النسيان!
أوَّاه يا زنابق بؤسي الظمآن
قد كانت روحي رغم الأحزان
أرخبيلا ً من الذكريات
الآن غدت مفرغة ً مثل الجثمان
إن لفقدان الماضي طعم الممات!
أوَّاه يا زنابق بؤسي الظمآن
لا رغبة لي في غير السلوان
لتغن لي جوقة ضفادعك ِ الحقودة
المسمومة ِ بزرنيخ البغضاء
“ماذا تنفعك الذكرى
لو مات في قلبك الإنسان؟!”
لعلي رغم فقدان الذاكرة
في متاهة الحياة الداعرة
أجد الطريق إلى المنزل القديم
وأؤوب إلى الوعي
من سبات الخمول العقيم
مثل الرجل الثملان!
-         تمت -
باسل الحجاج
هامش:
الاقتباسات التالية من الآيات العطرة ومقاطع تفسيرها مصدرها موقع المنقب القرآني (http://www.holyquran.net/search/sindex.php):
1.      سَنُقْرِؤُكَ فَلا تَنسَى (سورة الأعلى – آية 6)
قوله تعالى: «سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر و ما يخفى» قال في المفردات،: و القراءة ضم الحروف و الكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، و ليس يقال ذلك لكل جمع لا يقال: قرأت القوم إذا جمعتهم، و يدل على ذلك أنه لا يقال للحرف الواحد إذا تفوه به قراءة، انتهى، و قال في المجمع،: و الإقراء أخذ القراءة على القارىء بالاستماع لتقويم الزلل، و القارىء التالي.
و ليس إقراؤه تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن مثل إقراء بعضنا بعضا باستماع المقري لما يقرؤه القارىء و إصلاح ما لا يحسنه أو يغلط فيه فلم يعهد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقرأ شيئا من القرآن فلا يحسنه أو يغلط فيه عن نسيان للوحي ثم يقرأ فيصلح بل المراد تمكينه من قراءة القرآن كما أنزل من غير أن يغيره بزيادة أو نقص أو تحريف بسبب النسيان.
فقوله: «سنقرئك فلا تنسى» وعد منه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمكنه من العلم بالقرآن و حفظه على ما أنزل بحيث يرتفع عنه النسيان فيقرؤه كما أنزل و هو الملاك في تبليغ الوحي كما أوحي إليه.
و قوله: «إلا ما شاء الله» استثناء مفيد لبقاء القدرة الإلهية على إطلاقها و أن هذه العطية و هي الإقراء بحيث لا تنسى لا ينقطع عنه سبحانه بالإعطاء بحيث لا يقدر بعد على إنسائك بل هو باق على إطلاق قدرته له أن يشاء إنساءك متى شاء و إن كان لا يشاء ذلك فهو نظير الاستثناء الذي في قوله: «و أما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات و الأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ» (سورة هود)
و ليس المراد بالاستثناء إخراج بعض أفراد النسيان من عموم النفي و المعنى سنقرئك فلا تنسى شيئا إلا ما شاء الله أن تنساه و ذلك أن كل إنسان على هذه الحال يحفظ أشياء و ينسى أشياء فلا معنى لاختصاصه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلحن الامتنان مع كونه مشتركا بينه و بين غيره فالوجه ما قدمناه.
و الآية بسياقها لا تخلو من تأييد لما قيل: إنه كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نزل عليه جبريل بالوحي يقرؤه مخافة أن ينساه فكان لا يفرغ جبريل من آخر الوحي حتى يتكلم هو بأوله فلما نزلت هذه الآية لم ينس بعده شيئا.
و يقرب من الاعتبار أن تكون هذه الآية أعني قوله: «سنقرئك فلا تنسى» نازلة أولا ثم قوله: «لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه و قرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه»: القيامة: 19 ثم قوله: «و لا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه و قل رب زدني علما»: طه: 114.
و قوله: «إنه يعلم الجهر و ما يخفى» الجهر كمال ظهور الشيء لحاسة البصر كقوله.
«فقالوا أرنا الله جهرة»: النساء: 153، أو لحاسة السمع كقوله: «إنه يعلم الجهر من القول»: الأنبياء: 110، و المراد بالجهر الظاهر للإدراك بقرينة مقابلته لقوله: «و ما يخفى» من غير تقييده بسمع أو بصر.
و الجملة في مقام التعليل لقوله.
«سنقرئك فلا تنسى» و المعنى سنصلح لك بالك في تلقي الوحي و حفظه لأنا نعلم ظاهر الأشياء و باطنها فنعلم ظاهر حالك و باطنها و ما أنت عليه من الاهتمام بأمر الوحي و الحرص على طاعته فيما أمر به.
2.        قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لّا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى (سورة طه – آية 52)
و قوله: «لا يضل ربي و لا ينسى» نفي للجهل الابتدائي و الجهل بعد العلم على ما نقل عن بعضهم و لكن الظاهر أن الجملة مسوقة لنفي الجهل بعد العلم بقسميه فإن الضلال هو قصد الغاية بسلوك سبيل لا يؤدي إليها بل إلى غيرها فيكون الضلال في العلم هو أخذ الشيء مكان غيره و إنما يتحقق ذلك بتغير المعلوم من حيث هو معلوم عما كانت عليه في العلم أولا، و النسيان خروج الشيء من العلم بعد دخوله فيه فهما معا من الجهل بعد العلم، و نفيه هو المناسب لإثبات العلم أولا فيفيد مجموع الآية أنه عالم بالقرون الأولى و لا سبيل إليه للجهل بعد العلم فيجازيهم على ما علم.
و من هنا يظهر أن قوله: «لا يضل ربي و لا ينسى» من تمام بيان الآية كأنه دفع دخل مقدر كأنما قيل: إنها و إن علم بها يوما فهي اليوم باطلة الذوات معفوة الآثار لا يتميز شيء منها من شيء فأجيب بأن شيئا منها و من آثارها و أعمالها لا يختلط عليه تعالى بتغير ضلال و لا يغيب عنه بنسيان، و لذا أوردت الجملة مفصولة غير معطوفة.
3.      وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) (سورة طه – آية 115)
قوله تعالى: «و لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما» المراد بالعهد الوصية و بهذا المعنى يطلق على الفرامين و الدساتير العهود، و النسيان معروف و ربما يكنى به عن الترك لأنه لازمه إذ الشيء إذا نسي ترك، و العزم القصد الجازم إلى الشيء
4.        وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)
قوله تعالى: «فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا» الظاهر أن قوله: «مجمع بينهما» من إضافة الصفة إلى الموصوف و أصله بين البحرين الموصوف بأنه مجمعهما.
و قوله: «نسيا حوتهما» الآيتان التاليتان تدلان على أنه كان حوتا مملوحا أو مشويا حملاه ليرتزقا به في المسير و لم يكن حيا و إنما حي هناك و اتخذ سبيله في البحر و رآه الفتى و هو حي يغوص في البحر و نسي أن يذكر ذلك لموسى و نسي موسى أن يسأله عنه أين هو؟ و على هذا فمعنى «نسيا حوتهما» بنسبة النسيان إليهما معا: نسيا حال حوتهما فموسى نسي كونه في المكتل فلم يتفقده و الفتى نسيه إذ لم يخبر موسى بعجيب ما رأى من أمره.
هذا ما ذكروه.
و اعلم أن الآيات غير صريحة في حياة الحوت بعد ما كان ميتا بل ظاهر قوله: «نسيا حوتهما» و كذا قوله: «نسيت الحوت» أن يكونا وضعاه في مكان من الصخرة مشرف على البحر فيسقط في البحر أو يأخذه البحر بمد و نحوه فيغيب فيه و يغور في أعماقه بنحو عجيب كالدخول في السرب و يؤيده ما في بعض الروايات أن العلامة كانت هي افتقاد الحوت لا حياته و الله أعلم.
و قوله: «فاتخذ سبيله في البحر سربا» السرب المسلك و المذهب و السرب و النفق الطريق المحفور في الأرض لا نفاذ فيه كأنه شبه السبيل الذي اتخذه الحوت داخل الماء بالسرب الذي يسلكه السالك فيغيب فيه.
قوله تعالى: «فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا» قال في المجمع،: النصب و الوصب و التعب نظائر، و هو الوهن الذي يكون عن كد انتهى، و المراد بالغداء ما يتغدى به و فيه دلالة على أن ذلك كان في النهار.
و المعنى: و لما جاوزا مجمع البحرين أمر موسى فتاه أن يأتي بالغداء و هو الحوت الذي حملاه ليتغديا به و لقد لقيا من سفرهما تعبا.
قوله تعالى: «قال أ رأيت إذ أوينا إلى الصخرة» إلى آخر الآية يريد حال بلوغهم مجمع البحرين و مكثهم هناك فقد كانت الصخرة هناك و الدليل عليه قوله: «و اتخذ سبيله» إلخ و قد ذكر في ما مر أنه كان بمجمع البحرين، يقول لموسى: لا غداء عندنا نتغدى به فإن غداءنا و هو الحوت حي و دخل البحر و ذهب حينما بلغنا مجمع البحرين و أوينا إلى الصخرة التي كانت هناك و إني نسيت أن أخبرك بذلك.
فقوله: «أ رأيت إذ أوينا إلى الصخرة» يذكره حال أويهما إلى الصخرة و نزولهما عندها ليستريحا قليلا، و قوله: «فإني نسيت الحوت» أي نسيت حال الحوت التي شاهدتها منه فلم أذكرها لك، و الدليل على هذا المعنى – كما قيل – قوله: «و ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره» فإن «أن أذكره» بدل من ضمير «أنسانيه» و التقدير «و ما أنساني ذكر الحوت لك إلا الشيطان فهو لم ينس نفس الحوت و إنما نسي أن يذكر حاله التي شاهد منه لموسى.
و لا ضير في نسبة الفتى نسيانه إلى تصرف من الشيطان بناء على أنه كان يوشع بن نون النبي و الأنبياء في عصمة إلهية من الشيطان لأنهم معصومون مما يرجع إلى المعصية و أما مطلق إيذاء الشيطان فيما لا يرجع إلى معصية فلا دليل يمنعه قال تعالى: «و اذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب و عذاب»: ص: 41.
و قوله: «و اتخذ سبيله في البحر عجبا» أي اتخاذا عجبا فعجبا وصف قام مقام موصوفه على المفعولية المطلقة، و قيل: إن قوله: «و اتخذ سبيله في البحر» قول الفتى و قوله: «عجبا» من قول موسى، و السياق يدفعه.
و اعلم أن ما تقدم من الاحتمال في قوله: «نسيا حوتهما» الخ جار هاهنا و الله أعلم.
قوله تعالى: «قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا» البغي الطلب، و الارتداد العود على بدء، و المراد بالآثار آثار أقدامهما، و القصص اتباع الأثر و المعنى قال موسى: ذلك الذي وقع من أمر الحوت هو الذي كنا نطلبه فرجعا على آثارهما يقصانها قصصا و يتبعانها اتباعا.
و قوله: «ذلك ما كنا نبغ فارتدا» يكشف عن أن موسى كان مأمورا من طريق الوحي أن يلقى العالم في مجمع البحرين و كان علامة المحل الذي يجده و يلقاه فيه ما وقع من أمر الحوت إما خصوص قضية حياته و ذهابه في البحر أو بنحو الإبهام و العموم كفقد الحوت أو حياته أو عود الميت حيا و نحو ذلك، و لذلك لما سمع موسى من فتاه ما سمع من أمر الحوت قال ما قال، و رجعا إلى المكان الذي فارقاه فوجدا عبدا «إلخ».
5.      يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) (سورة الحشر – آية 18-19)
قوله تعالى: «و لا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم» إلخ، النسيان زوال صورة المعلوم عن النفس بعد حصولها فيها مع زوال مبدئه و يتوسع فيه مطلق على مطلق الإعراض عن الشيء بعدم ترتيب الأثر عليه قال تعالى: «و قيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا و مأواكم النار و ما لكم من ناصرين»: الجاثية: 34.
و الآية بحسب لب معناها كالتأكيد لمضمون الآية السابقة كأنه قيل: قدموا ليوم الحساب و الجزاء عملا صالحا تحيى به أنفسكم و لا تنسوه.
ثم لما كان سبب نسيان النفس نسيان الله تعالى إذ بنسيانه تعالى تنسى أسماؤه الحسنى و صفاته العليا التي ترتبط بها صفات الإنسان الذاتية من الذلة و الفقر و الحاجة فيتوهم الإنسان نفسه مستقلة في الوجود و يخيل إليه أن له لنفسه حياة و قدرة و علما و سائر ما يتراءى له من الكمال و نظراؤه في الاستقلال سائر الأسباب الكونية الظاهرية تؤثر فيه و تتأثر عنه.
و عند ذلك يعتمد على نفسه و كان عليه أن يعتمد على ربه و يرجو و يخاف الأسباب الظاهرية و كان عليه أن يرجو و يخاف ربه، يطمئن إلى غير ربه و كان عليه أن يطمئن إلى ربه.
و بالجملة ينسى ربه و الرجوع إليه و يعرض عنه بالإقبال إلى غيره، و يتفرع عليه أن ينسى نفسه فإن الذي يخيل إليه من نفسه أنه موجود مستقل الوجود يملك ما ظهر فيه من كمالات الوجود و إليه تدبير أمره مستمدا مما حوله من الأسباب الكونية و ليس هذا هو الإنسان بل الإنسان موجود متعلق الوجود جهل كله عجز كله ذلة كله فقر كله و هكذا، و ما له من الكمال كالوجود و العلم و القدرة و العزة و الغنى و هكذا فلربه و إلى ربه انتهاؤه و نظراؤه في ذلك سائر الأسباب الكونية.
و الحاصل لما كان سبب نسيان النفس نسيان الله تعالى حول النهي عن نسيان النفس في الآية إلى النهي عن نسيانه تعالى لأن انقطاع المسبب بانقطاع سببه أبلغ وآكد، و لم يقنع بمجرد النهي الكلي عن نسيانه بأن يقال: و لا تنسوا الله فينسيكم أنفسكم بل جرى بمثل إعطاء الحكم بالمثال ليكون أبلغ في التأثير و أقرب إلى القبول فنهاهم أن يكونوا كالذين نسوا الله مشيرا به إلى من تقدم ذكرهم من يهود بني النضير و بني قينقاع و من حاله حالهم في مشاقة الله و رسوله.
فقال: «و لا تكونوا كالذين نسوا الله» ثم فرع عليه قوله: «فأنساهم أنفسهم» تفريع المسبب على سببه ثم عقبه بقوله: «أولئك هم الفاسقون» فدل على أنهم فاسقون حقا خارجون عن زي العبودية.
و الآية و إن كانت تنهى عن نسيانه تعالى المتفرع عليه نسيان النفس لكنها بورودها في سياق الآية السابقة تأمر بذكر الله و مراقبته.
فقد بان من جميع ما تقدم في الآيتين أن الآية الأولى تأمر بمحاسبة النفس و الثانية تأمر بالذكر و المراقبة.

الأنوثة السارحة وطيف المحارب الحزين


أيتها الأنوثة السارحة على أرائك الانتظار
عمن تبحثين؟!
أنا آخر العائدين!
طيف محارب حزين!
وجثماني خلف التلال البعيدة
تتناهشه أيدي اللصوص وذرات الغبار!

أيتها الأنوثة السارحة على أرائك الانتظار
عمن تبحثين؟!
ذوت في قهوة الليل أنهار النهار
وعقارب الساعة العقيمة
لم تنجب غير حسراتي الأليمة
ليت أشباحي تمسُّ منك ِ القرار!
- تمت -
باسل الحجاج

الخميس، 25 نوفمبر 2010

صبي المسامير والسور الباكي ومارد قلبه ِ الغضبان


برواية: باسل الحجاج

كان ثمة صبي ذو طبع حاد، إذا غضب انطلقت من خلايا جسمه ِ حرارة تحرق الأجساد، ومردة جان مظلمة الأبعاد، وكان ثمة أب حكيم يحب الربَّ براسخ الاعتقاد...

بغية أن يشذب أشجار الغضب النامية، في عروق أبنه الدموية، المتكاثرة مثل عفاريت جهنمية، ناداه ذات يوم ٍ من الأيام الماضية، وأهداه كيسا ً من المسامير ومطرقة ً فولاذية. وضع يد الصبي براحته ِ وقاده بخطاه الحانية، إلى سور منزلهم المبني من الألواح الخشبية، وأخبره ُ أن يغضب كيفما شاء، شريطة أن يطرق مسمارا ً لكل نوبة غضب هوجاء، تفقده السطوة على نفسه ِ وتتركه ُ فريسة ً لجنون الأهواء.

في يوم التالي للمعاهدة الخفية الأسرار، طرق الصبي سبعة ً وثلاثين مسمار، ولم تأخذه شفقة ولا رحمة لأخشاب السور التي بكت من ظلمه ِ بدمع مدرار، ولأيام أخرى عديدة، يتخذها الفلاسفة براهينا ً على العود الأبدي وسيرورة التكرار، مارس الصبي عقوبة الطرق بإرادة حديدية، ولم يملك السور أمام قسوة التعذيب سوى الدموع والاصطبار!

مع توالي الأسابيع تعب الصبي من عقوبة المطرقة والمسمار، وملَّ من بكاء الأسوار، واتخذ لأجل الخلاص من نواحها أصعب قرار، كان لابد أن يمسك عقال الغيظ ويكتمه ُ حد اختناق الغضب في الأغوار، ولذلك انزوى ذات أمسية لجحر الأفكار، وارتمى بدهاليز دماغه ِ في زوبعة ٍ من العصف الذهني غمرت قلبه ُ بمصابيح الأنوار، منذئذ تعلم حيلة الرحيل والفرار، من ظلال من يغضبه قبل أن يقع ضحية لبراكين الغضب النارية الانفجار، كما تعلم أن يرمي بنفسه الملتهبة حتى تنطفئ بماء الأنهار، فتقلصت أعداد المسامير المطروقة حتى أتى اليوم الذي لم يشهد رحم السور فيه ولادة نصل لمسمار!   
    
جاشت نفس الصبي بموج العزة وطود الافتخار، فمضى إلى أبيه ِ الحكيم على صهوة الابتسام ولجام الاستبشار، وزفَّ له عروس النبوءة المتلألئة الأقمار، وحدثه ُ بما أنجزه ُ من سطوة على النفس، فابتهج الأب بحنان الأمس، وغرس في مخيلة الصبي فكرة جديدة، هي نزع مسمار ٍ واحد من المسامير العديدة، عن كل يوم ٍ يقبض فيه ِ على الغضب بإرادة عنيدة، فبدأ الصبي بنزع المسامير عن خشب السور، إلى أن جاء يوم اقتلع فيه المسمار الأخير بعظيم السرور، يومها قال له ُ والده الحكيم: "انظر بني إلى السور، واحسرتاه ُ كم غدا من كثرة الجراح والندوب ذميم! وانظر إلى الثقوب العميقة الغور... كأنها فوهات تقود إلى الجحيم! لن يعود السور أبدا ً كما كان، وهكذا حال بني الإنسان، إن من تؤذيهم وتجرحهم حين تكون ثائرا ً غضبان، لن يأخذهم مهما استغفرت منهم واعتذرت لهم بما اقترفت بحقهم نسيان، سيحملوا جراح شرورك أوسمة ً تذكرهم بجريرتك في كل مكان وزمان، لا يسعف الجرح التأسف بلغة التائب الندمان، مدية اللسان لا تقلُّ بفعلها عن مدية الطعان، ولا تفنى الندوب إلا بفناء الإنسان، فاكتم أبدا ً بني الغيظ والجم حصان اللسان. 

تأثر الصبي بحكمة أبيه العميقة الأغوار، ولم يترك غضبه ُ منذ يومها يبصر الفوران، وكان يدفنه ُ في عميق القرار، مهما تسبب له ُ الصبر والكتمان، من مقاساة ٍ للكآبة والأحزان، ومهما تعاقبت السنون وأفسدت خططه ُ روح الدمار، ومهما تكدست في روحه خردة الآلام وجازته ُ الأقدار بالحرمان، ومهما انسلت بلا طائل من ظلاله ِ الأعمار، ظل وفيا ً لنصح أبيه ِ الذي فارق الحياة، لكن زوجته بعدما عاشرته ُ عشر سنوات، ضجرت من سلبيته ِ حيال صروف الحادثات، فقالت له ِ مغتاظة ً في هجير نهار قائظ الساعات: "لماذا أنت بلا شعور؟ صنم ٌ لا تثور، صخرة لا تتحرك ُ مهما جلدتها بالجور ِ رياح الدهور، حسبتك رجلا ً آدميا ً ولكنك لست أكثر من حمار، يضرب ُ بالخيزران ليلا ً ونهار، دون أن يعترض أو يطالب باعتذار، دون أن يشتهي أو يحلم بسعادة الثوار، كمثل الزومبي بقاؤك بين الأنام، مقتصر ٌ على التهام ما أطهوه من طعام، وكل ما عدا ذلك مما نحلم من أحلام، تحسبه ُ بسفسطائية الزاهدين من الأوهام، سحقا ً لك وسحقا ً لما أضعت عليك من أعوام!"

كان تذمر الزوجة وما تناسل منه ُ من بذيء الكلام، مفتاحا ً سحريا ً لجبال من الغيظ والغضب، تكومت بلا متنفس في صدره المثقل بغيوم الكتمان، وضربة ً صارمة ً على سلامة ِ عقله ِ أمام مدِّ الحنق الناريِّ الغليان، لم يعد ساعتها قادرا ً على الإمساك بذئاب قلبه ِ الساغبة لدمِّ الانتقام، وجنَّ جنونه ُ وطاش كالشيطان، فذبح زوجته ُ وأكلها مسعورا ً كالغيلان، وخرج شاهرا ً سيفهُ ومستبيحا ً دماء الأنام، حتى نال مصرعه المحتوم، شهيدا ً لموروث الكبت والكتمان!
- تمت -

هامش: النص مقتبس بتصرف من قصة الحكمة الشهيرة والمجهولة المؤلف: "السور".